يسأل أحدهم عن عقوبة التشهير، في حين أنّ ما تعرّض له كان تشويه سمعةٍ -أو ربما يدخل في باب السب والشتم (ولهما عقوبة مختلفة)– وليس تشهيرًا، في تدوينتنا هذه سوف نتطرّق للحديث عن جريمة التشهير، متى تقع؟ ما هي أنواعها وعقوبتها، مبيّنين ما يفرّقها عن “تشويه السمعة”، موضّحين آليّة رفع الدعوى الخاصّة بها وشروطها.
بدايةً،وقبل بيان عقوبة التشهير، لابدّ وأن نشير إلى دلالة مفهومه قانونيًا ولغويًا:
يشيرُ مفهوم التشهيرِ لغةً إلى إشاعة السوء عن شخصٍ بين الناس، وقد يمسّ التشهير بشخص حقيقي (إنسان) أو بشخص اعتباريّ (شركات، جمعيات، منظمات، دول.. الخ).
أما مفهوم التشهيرِ قانونًا:
إلحاقُ الضرر بالآخرين وتشويهُ سمعتهم، عبر مختلف وسائل وتقنيّات المعلوماتيّة.
نظام مكافحة الجرائم المعلوماتيّة، المادة (الثالثة)، الفقرة (الخامسة).
وبناءً على ذلك، ينتج عن جرم التشهير، تحقيرُ شخصٍ في نظر الآخرين، بجعلِه هدفاً للكراهية أو الاحتقار والسخرية، أو الحطُّ من قدرهِ بسبب أفعاله والصفات المنسوبة إليه، أو المساسُ بوظيفته، مصلحته التجارية، مهنته ونسبه، مما يجعل مرتكب هذا السلوم مستحقًا عقوبة التشهير.
كغيرها من الجرائم، لابدّ أن يتحقّق فيها الركنين المادي والمعنوي لنعدّها جريمةً تلزمُ عقوبة التشهير، كما يشترطُ أن بنتج عنها ضررٌ ماديٌّ أو معنويّ يصيب المجني عليه مباشرةً.
يضاف إلى هذه الأركان السابقة الضرر، إذ أن المدعي (المجني عليه) يخسر دعواه في حال لم يتمكّن من إثبات الضرر الذي أصابه بسبب فعل الجاني.
قبل تشعّب التقنيّات المعلوماتيّة في حياتنا اليومية، كانت هنالك صور محدودة جدًا لجرم التشهير، فكانت جريمة التشهير تقع إما بنشر معلومات مكتومة “خاصة وسريّة” عن شخص ما بين الناس، أو بإحدى الجرائد أو الصحف المعروفة، حتى أنّ عقوبة التشهير حينها كانت تقتصر على أفعال معيّنة مقارنةً في وقتنا هذا.
ولكن تغلغل هذه الوسائل في مفاصل حياتنا، ساهم في انتشار جرائم التشهير ومدّ الجناة بوسائل لم تكن قيد الاستخدام سابقًا، فأصبح للتشهير أنواعٌ جديدةٌ، واصبحت عقوبة التشهير تمتدّ لعدد لا متناهٍ من التصرفات، ولعلّ أبرزها:
يتّخذ التشهير عدةً صور كما ذكرنا أعلاه، واستنادًا للفقرة (الخامسة) من المادة (الثالثة) في نظام مكافحة جرائم المعلوماتيّة، فإنّ عقوبة التشهير بأنواعه (في مواقع التواصل، الإلكتروني، عن طريق الإيميل، نشر المواد المفبركة) هي:
السجن لمدّة لا تزيد عن سنة وبغرامة مالية لا تزيد عن نصف مليون ريال أو بإحداهما.
الفقرة (5)، المادة (3)، نظام مكافحة الجرائم المعلوماتيّة.
ملاحظة: تتضاعف العقوبة في حال التكرار.
بدايةً، قبل أن ينظر القاضي المختص بموضوع الدعوى ويقرّر عقوبة التشهير، لا بدَّ من قيد الدعوى وتسجيلها بديوان المحكمة لعرضها لاحقاً على القاضي، ولهذا التسجيل شروط يتوجب توافرها، ألا وهي:
وبتوافر هذه الشروط مجتمعة على سبيل الحصر، يسمح القانون السعودي برفع دعوى التشهير وقيدِها في ديوان المحكمة المختصة (المحكمة الجزائية)، وبالتالي تطبق عقوبة التشهير على الجاني.
ملاحظة: من الضروري جدًا متابعة البلاغ والدعوى من قبل المدعي، حيث لا يكفي أن يتقدّم بالشكوى ويغفل عن متابعتها لاحقًا بانتظار إيقاع عقوبة التشهير على الجاني.
يمكننا تشبيه الفرق بين التشهير وتشويه السمعة بشعيرات رفيعة جدًا تكاد لا ترى بالعين المجرّدة، ورغم ذلك يمكن أن نوجز لكم الفرق.
يتمثّل التشهير بفضحِ ونشر معلوماتٍ (غير منشورة، سريّة أو خاصّة بالشخص) للعلن، ومن ثم تداولها سواءً أكانت حقيقيّةً ام كاذبة، في حين أنّ تشويه السمعة ينصبّ على نشر وتداول معلوماتٍ مزيّفة لا تمتّ للحقيقة بصلة.
علمًا أن الهدف في كليهما مشترك، وهو النيل من سمعة الطرف الآخر.
وأخيرًا، إنّ عقوبة التشهير وحدها لن تكون رادعًا أمام البعض، إن لم تكن ضمائرهم وأنفسهم الرادع الأوّل والأساسيّ لهذه التصرفّات المجرّمة قانونًا والمرفوضة مجتمعيًا.
جميع المقالات في هذا المدونة تم نشرها بأسلوب بسيط وسهل لرفع الوعي القانوني، ولا تعد بأي شكل من الاشكال استشارة قانونية، ننصح القارئ بطلب استشارة قانونية مفصلة من قانوني مختص. يشكل استخدامك لهذا الموقع قبولاً لشروط الاستخدام ، والشروط التكميلية ، وسياسة الخصوصية.