يستفسرُ أحد الأشخاص عن عقوبة السب والشتم؛ مبينًا أنّ شخصًا تلفّظ بعبارات نابية ومسيئة إليه، ومضيفًا أنه لم يبادله الإساءةَ بأدنى كلمة، إنما تمالك نفسه ولجم غضبه لأنّه على دراية بالقوانين التي تجرّم السب والشتم في السعودية.
لكن خلط الإجابات على سؤاله ما بين السب والشتم والقذف، دفعتنا لكتابة هذه التدوينة لتوضيح عدة محاور أهمّها عقوبة السب والشتم، والفرق بين الحق العام والخاص فيها، والفروقات بين السب والشتم والقذف.
لا شكّ أنّ التلفظ على شخصٍ بكلمات مسيئة ومعيبة ما هو إلا جرمٌ أخلاقيّ قبل أن يكن جرمًا قانونيًا معاقبًا عليه، حيث جاء تجريمُ هذه الأفعال رادعًا أمام سطوةِ لسان من لا يتمالكون أنفسهم ويطلقون أشدّ المسبات وأشنع الكلمات على غيرهم بحجّة أنهم “غاضبين”.
قبل الدخول في الحيّز القانوني واستعراض عقوبة السب والشتم، لابدّ من توضيح مفهومَيّ السب والشتم وتفريقهما عن مفهومَي القذف و الاتهام.
بسم الله الرحمن الرحيم ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) صدق الله العظيم.
الآية الرابعة من سورة النور.
وما لم تتحقق البينة بالشاهدين أو بإقرار القاذف، فيحكم القاضي بعقوبة تعزيرية حسب الحالة الواقعة أمامه.
وهنا قد يتشدد القاضي في الحكم. نذكر لكم على سبيل المثال قضية رفعها أحد المعلمين على زميله الذي اتهمه بخيانة الوطن والتآمر ضدّه. فعاقبه القاضي بمئة وخمسين جلدة لشدّة وجسامة الضرر الناتج عن اتهامه.
معظم الجرائم المعلوماتية من سب وشتم وحتى الابتزاز وغيرها، باتت تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي. ولها شقّين: الحق العام والحق الخاص..
استنادًا لتعميم النائب العام رقم 37299 الصادر بتاريخ 2/6/1441:
تعد قضايا السب والشتم في “الرسائل الخاصة” على كافة أنواع مواقع التواصل حقوقًا خاصةً لا تستدعي انعقاد الاختصاص العام (النيابة العامة) ولا يتولّد عنها حقٌّ عامّ، لأنها تقتصر على أطرافها فقط، وبالتالي بإمكان المتضررين التبليغ عن طريق المحكمة الجزائية مباشرةً بدون المرور بالشرطة أو النيابة العامة.
تعميم النائب العام رقم 37299
عقوبة السب والشتم في الخاص
تكون العقوبة:
في كلتا الحالتين أمر تحديد العقوبة يرجع لتقدير القاضي الذي سيراعي حجم الضرر بلا شك.
لنفترض وقوع جدلٍ محتدم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. بالطبع سيكون بؤرة تجمع الخلافات، المشاحنات وتبادل الألفاظ المسيئة. هنا يظهر لدينا الحقّ العام والحقّ الخاص معًا، على عكس الإساءة عن طريق الرسائل الخاصة. التي تولّد فقط حقًا خاصًا.. لكن ما السبب؟
لأنّ آثاره لم تقتصر فقط بين أطرافه، إنما عكّرت صفو العامة وكلّ من جاءت أعينه عليه. وبالتالي يتحمّل الجاني او مجموعة الجناة عقوبةَ الحق العام والحق الخاص في آن معًا.
واستنادًا للمادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.. فإن عقوبة السب والشتم في الحق العام:
السجن لمدة لا تتجاوز الخمس سنوات وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة ملايين ريال أو بإحداهما.
الفقرة الأولى من المادة السادسة في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
كيف يتم التبليغ في هذه الحالة؟
شأنها كشأن باقي الجرائم، قد يقع السب والشتم بوجود أو دون شهود. وبذا قد تتسائل: كيف يتمّ إثبات الواقعة حينها؟ وما عقوبة السب والشتم بغياب شهود؟
سيخطر في أذهاننا -قبل أي شيء- التقاط الشاشة أو حفظ المحادثات، وربما كانت تلك إحدى وسائل الإثبات لكنها مع الأسف لا تتعدى كونها قرائن ضعيفة مقارنةً بالشهادة أو بإقرار المدعى عليه نفسه. أي -بأفضل الأحوال- تبقى وسائل إثبات غير مباشرة. فما هي وسائل الإثبات المباشرة؟
الأصل في الإثبات هو شهادة شاهدين أو إقرار الجاني.
لذلك على من أراد إثبات السب والشتم مع عدم تواجد شهود أن يحضر فورًا شاهدين (من غير أهله) وأن يطلعهما على الواقعة مباشرةً، وأن يتوجه للتبليغ مباشرةً. لكي تسجّل عند الجهات المعنية بالتفاصيل والوقت.
وفي حال عدم وجود شهود.. يمكن أن يثبت المدعي واقعة السب والشتم، بطريقتين:
إما بالدلائل إن وجدت لديه من صور ومحادثات أو تسجيلات مكاملات وغيرها.. فهي من القرائن التي ينظر بها في حال انعدام وجود الشهود. أو بطلب يمين المدعى عليه أمام المحكمة الجزائية.
وبناءً على ذلك.. يعاقب المدعى عليه بعقوبة الحقّ العام والحقّ الخاص إذا كان السب والشتم على مرأى العامة.. وبعقوبة الحقّ الخاص فحسب إذا كانت فقط بينه وبين المدّعي. وكنا قد شرحنا كيفية رفع ومسار دعوى الحق الخاص بالتفصيل.
وأخيرًا.. إنّ صاحب الإساءة إنما يسيء لنفسه بالدرجة الأولى ويعكس أخلاقه وتربيته.. إضافةً لذلك فإنه سينال عقوبةً عمّا أصدره من أقوال جارحة ومؤذية.
ولا ننسى قولَه تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27) ﴾
صدق الله العظيم
الآيات 24-25-26-27 من سورة ابراهيم.
جميع المقالات في هذا المدونة تم نشرها بأسلوب بسيط وسهل لرفع الوعي القانوني، ولا تعد بأي شكل من الاشكال استشارة قانونية، ننصح القارئ بطلب استشارة قانونية مفصلة من قانوني مختص. يشكل استخدامك لهذا الموقع قبولاً لشروط الاستخدام ، والشروط التكميلية ، وسياسة الخصوصية.