نصَّ نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على حكم الترويج لأول مرة، حيث فرّق ضمن أحكامِه بين الترويج لأول مرة والترويج للمرة الثانية، يظهر ذلك بوضوحٍ في العقوبات المترتّبة على كلّ من الجرمَين.
ولأنّ لجرائم ترويج المخدّرات ضررٌ جسيم يسلبُ صحّةَ وسلامةَ الكثيرين، نرى أنّ المشرّع تعامَل معها بحزمٍ وقابلها بأحكام شديدة، مؤلمة ومرهقة، قاطعاً بها الطريق أمام كلّ من ينشر الضرر والأذية دون ان يأبه بما ستؤول إليه أفعالُه.
تهدف عمليّة الترويج إلى توزريع ونشر المواد المخدّرة بين الناس، والتحريضُ على تعاطيها، كأن يوزّع أحدُ الأشخاص مادة “الحشيش” بين زملائِه مشجّعًا إياهم على تعاطيها بترغيبهم وإغرائهم أو دفعهم على تناولها بأية وسيلةٍ كانت.
نجد أنّ المشرّع نظّم نوعين أو درجَتين من الأحكام، غطّى بها حكم الترويج لأول مرة وللمرة الثانية، آخذاً بالاعتبار ضعف المروج في المرّة الأولى وغياب عقله عن مصيره المحدق به، وإصرارَه وتعنّته في المرّة الثانية على ارتكاب هذه الجريمة التي كان قد حُكم بها مسبقًا.
أما الآن، وبعد الإشارةِ إلى اختلاف أحكام وعقوبات جرمَيّ الترويج، نستعرض إليكم أولًا حكم الترويج لأوّل مرّة، ومن ثمّ حكمه للمرة الثانية، مشيرينَ إلى مدة سجن مروج المخدرات وحكم الوسيط في المخدرات.
استنادًا إلى نصّ المادة /38/ من نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، فإنّ حكم الترويج لاول مرة هو:
المادة /38/ نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية
السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة، الجلد بما لا يزيد على خمسين جلدة في كلّ دفعة، وغرامة ماليّة تبدأ من ألف ريال ولا تزيد عن خمسين ألف ريال
وهنا أجازَ القانونُ أمام القاضي إمكانيّة رسم وتقدير العقاب المناسب للمروج، تارِكًا له الاختيارَ ما بين التخفيف أو التشديد، فلكلّ قضيّة ترويج حيثياتها وظروفها الخاصة المستقلة عن الأخرى سواء في حجم المادة المصادرة أثناء القبض أو حتى عدد مرات الترويج وظروف المروج الخاصة..الخ.
يجيبُنا على هذا التساؤل نصُّ المادة /38/ من نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، حيثُ تناولَ حكم الترويج لأول مرة وإلى جانِبه أكّد أن العقوبة لا تقتصر فقط على مروّجي المخدرات أو بائعيها، إنّما تمتدّ لتشمِل كلّ من صرّفها أو وزّعها سواءً أكان ذلك بمقابل أو بدون أيّ مقابل.
فقد يوزّع شخصٌ ما المخدّرات على الحاضرين في حفلٍ أو تجمّع ما، أو حتى يقايضُها مع شيء آخر أيًا كان، مما يعين أنّ العقوبة تشملُ ليشمل إلى جانب الترويج، كلًا من الإهداء، النقل، المبادلة، المقايضة، سواء أكانت هذه الأفعال لقاء مقابل مادّي أم لا. ومن المهم هنا التذكير بعقوبة حيازة المخدرات بقصد التعاطي.
لم يدع قانون مكافحة المخدّرات أي سبيل للاستهانة بجرم الترويج، إذ لم يكتفي بالنص على حكم الترويج لأول مرة، بل أورد بذات المادة /38/ حالات تشديد عقوبة الترويج، موجزًا إياها في الحالات التالية:
1. إذا أقدمَ الجاني (المروّج) على جلب المخدرات أو استيرادها أو إنتاجها أو استخراجها أو زراعتها قبل أن يروّجها.
2. إذا ارتكب الجاني جريمته كلّها أو بعضَها في أحد المساجد أو دور التعليم أو المؤسسات والمراكز الإصلاحية.
3. إذا كانت المواد المخدرة -محل الجريمة- من الهرويين أو الكوكايين.
4. إذا استغل الجاني في ارتكاب جريمته أحداً ممن يتولى تربيتهم أو استخدم في ذلك قاصراً أو قدم لقاصر مخدراً أو دفعه إلى تعاطيه بالترغيب أو بالترهيب أو تحت أي ظرف كان.
5. إذا هيأ مكاناً لتعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، كأن يرشد مجموعةً من الأشخاص إلى عقارٍ يملكه خارج المدينة ويقدم لهم مفتاحَه ويسمح لهم بالإقامة والتعاطي فيه. وكنّا قد أفردنا تدوينة شاملة حول عقوبة تعاطي المخدرات في السعودية وشروط التخفيف والإعفاء
تكرارُ الجرم، يعني عودة الشخص لارتكاب فعله الذي حكم به عليه بالمرة الاولى، وما هو إلا دلالة صريحةٌ على تأصل الرغبة بالإجرام في نفسه، فالعقوبة الأولى لم تتمكن من إصلاحه وإبعاده عن جريمَته، وهاهو الآن يكرّرها.
نلاحظ جليًا ضمن أحكام نظام مكافحة المخدّرات، كيف واجه المشرّع جرم الترويج للمرة الثانية، بعقوبة شديدة قاسية ومرهقة، ولعلّ الهدف من هذا التشديد هو قطع الطرق التساهل والاعتياد لدى الجناة أو المحكومين سابقًا في حكم الترويج لأول مرة.
وبناءً على ماسبق، جاء حكم الترويج للمرة الثانية ضمن الفقرة /5/ من المادة /5/، فكانت العقوبة:
يعاقب بالقتل تعزيراً من ثبت بحقه – ترويج مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية للمرة الثانية- شريطةَ أن يكون قد صدر بحقه حكم ترويج للمرة الأولى.
الفقرة /5/ المادة /37/ نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
هل يمكن النزول عن عقوبة القتل التعزيري؟ وماهي الشروط؟
نعم، أجاز المشرّع أيضصا في صلب المادة /37/ من النظام، إمكانيّة نزول القاضي عن عقوبة القتل التعزيري إذ ما رأى أسبابًا موجبةً لذلك، لتكون العقوبة:
السجن مدة لا تقل عن خمسة وعشرين سنة، الجلد الذي لا يزيد على خمسين جلدة في كل دفعة مع غرامة مالية التي لا تقل عن مئة وخمسين ألف ريال
الفقرة /3/ المادة /37/ نظام مكافحة المخدراا والمؤثرات العقلية.
وضّح المشرّع في مقدّمة نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بعضًا من التعريفات المهمّة مستعرضاً بها أنواع المواد المخدرة المجرّمة إضافةً إلى الأفعال المجرمة أيضًا، حيث أورد الوساطة من بينها.
وعرفتّ المادة الأولى من نظام المكافحة الوساطة بأنها:
التوسط بين أطراف التعامل بالمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بمقابل أو دون مقابل، للتعريف بين الأطراف والتقريب بينهم لإتمام الصفقة.
المادة /الأولى/ نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية
يتمثل دور الوسيط بتسهيل ارتكاب الجريمة بأي طريقة كانت، كأن يمهّد مكان التبادل، أو أن يتّفق مع الطرف الآخر على آلية دفع الثمن ويستلم منه المقابل، وكل ذلك يصبّ في هدف إتمام الصفقة ونجاح العملية.
ولأن التوسط في الجريمةِ يعدّ بمثابة الاشتراك بها، فإن المسؤولية الجنائية تقعُ على الوسيط تمامًا كما تقع على الفاعل الأصليّ، وبالتالي فإنّه يستحق عقوبة الفاعل الأصلي ذاتها، فعندما يتوسّط أحد الأشخاص في جريمة تعاطي، تكون عقوبَته كعقوبة المتعاطي، كذلك الأمر عندما يتوسّط في عملية تهريب ترويج فإنه يستحق عقوبة المروّج.
تختلف عقوبة الوسيط باختلاف القصد الجرمي، فيعاقب بعقوبة التعاطي إذا كانت الجريمة الأصلية التي توسط فيها تنصب على تعاطي المخدرات أو الاستعمال الشخصي، فإذا توسّط في جريمة تعاطي تكون عقوبَتُه:
السجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين.
المادة /41/ نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
أما إذا توسط في جريمة ترويج،فتكون العقوبة:
السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة، الجلد بما لا يزيد على خمسين جلدة، وبغرامة مالية تبدأ من ألف ريال ولا تزيد عن خمسين ألف ريال.
الفقرة /1/ المادة /38/ نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
جميع المقالات في هذا المدونة تم نشرها بأسلوب بسيط وسهل لرفع الوعي القانوني، ولا تعد بأي شكل من الاشكال استشارة قانونية، ننصح القارئ بطلب استشارة قانونية مفصلة من قانوني مختص. يشكل استخدامك لهذا الموقع قبولاً لشروط الاستخدام ، والشروط التكميلية ، وسياسة الخصوصية.