الغضب هو حالة هيجان نفسيّ ينتج عنه ظهور انفعالات وردود أفعال تتميّز بالميل إلى الاعتداء والعنف أو الانتقام، وهو درجات حسب حالة كلّ شخص على حدى. ويعتبر الغضب من أكثر أسباب انتشار حالات الطّلاق، ومن أعظمها تأثيرا في نشوء الخلافات والنّزاعات بين الزّوجين.
فهل يقع الطلاق وقت الغضب من النّاحية القانونية؟ وما رأي الشّرع في ذلك؟ وما هي حالات الغضب المعتبرة في الطلاق من عدمه؟
الغضب إجمالا يقع معه الطلاق عند العلماء، وهو نافذ حكمه، لأنّ الغضبان له قول معتبر، وهو داخل في دائرة التّكليف، وليس هو كالمجنون أو فاقد الوعي أو ما يدخل في حكمهما.
وقد فصّل بعض العلماء في حالات الغضب المعتبرة في الطّلاق، وذكروا التّحقيق في ذلك، منهم العلامة ابن القيّم رحمه الله، حيث ذكر أنّه على ثلاث درجات:
وهو الذي يستغلق معه الذّهن، فلا يدري الشّخص ما يقوله، ولا يعي في حالته تلك أقواله أو أفعاله، ولو ذُكّر بعد سكون غضبه لأنكر أنّه طلّق أو تلفّظ بالطّلاق، وقد يصل به الحال إلى الإغماء.
وله بيّنة من زوجته باعترافها أو بشهود عدول له بذلك، فهذا لا يقع طلاقه بإجماع، ومستند العلماء في ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن النّبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: “لا طلاق ولا عتاق في إغلاق”.
وهذا الذي نصّ عليه نظام الأحوال الشّخصية بأنّه من أنواع الحالات التي لا يقع فيها الطلاق، وسيأتي معنا ذكره بتفصيل.
وهو الغضب العادي المعتاد في الطّبيعة البشرية، بحيث يشعر ويعي ما يقوله، وله إمكانية منع نفسه منه، والتّحكّم في ذلك، فهذا يقع طلاقه بالاتّفاق، لأنّ قائله غير معذور، وهو في كامل قواه العقلية، ومسؤول عن أقواله وأفعاله.
بحيث يعلم ما يقوله ويفعله، لكن غلبه غضبه فصدر منه الطلاق، ولم يملك نفسه عند التّلفّظ به، وهو يعلم أنّ من خاطبها هي زوجته، وأنّه طلقها إن سُئل عن ذلك بعد سكون غضبه، لكن الغضب تملّك منه نفسه.
فكان كمن غلبته نفسه وشهوته على فعل المعصية، وهو يعلم حكمها الشّرعيّ، ويعلم مقدار جنايته، فهذا محلّ خلاف بين الفقهاء.
منهم من أوقعه لعلة التّكليف والقصد الصحيح، حيث يعي ويعرف ما يقوله، ومنهم من أسقطه، ولم يعتدّ به لعلّه الإغلاق قياسا على الغضب الشّديد، فصار له حكم المكره.
وهذا الأخير هو اختيار الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما، ورجّحه من المعاصرين الشّيخان ابن العثيمين وابن باز رحمة الله عليهما.
نصّت المادة الثّمانون من نظام الأحوال الشّخصية أنّه من بين الحالات التي لا يقع فيها الطلاق، هي حالة طلاق من اشتدّ غضبه حتّى حال بينه وبين تحكّمه في ألفاظه، وهي حالة شديد الغضب الذي أجمع العلماء على عدم وقوعها لعلّة الإغلاق.
ويفهم من هذا النّصّ أنّ طلاق الغضبان في الحالة العادية يقع.
لكن كلّ ما ذكر سواء من النّاحية الشّرعية أو القانونية، هي مسائل نظرية تعقيديه، أمّا النّوازل وحالات الأعيان، والمساطر والإجراءات القانونية التّفصيليّة، فهذه يرجع فيها الفصل إلى القاضي، لينظر في كلّ نازلةٍ نازلةٍ لإسقاط الحكم المناسب على محالّه حسب ظروف وملابسات كلّ قضية.
نصّ نظام الأحوال الشّخصية في المادّة الثّالثة والثّمانين على أنّ كلّ طلاق اقترن بالعدد لفظا أو إشارة أو تكرّر في مجلس واحد لا يقع به إلا طلقة واحدة، وهذا صريح عامّ في الغضبان وغيره.
وسواء كان هذا الغضب شديدا أو عاديا أو بين بين، فإنّه لا يقع إلا مرّة واحدة في حالة ما إذا تلفظ به ثلاثا وكان يعقل ما يقول، أما في حالة الإغلاق والغضب الشّديد فإنّه لا يقع ولا مرّة واحدة، ويرجع في نوازل طلاق الغضب للمفتي أو القاضي للفصل في كلّ نازلة حسب ظروفها وملابساتها الخاصّة.
انضم لأكثر من 3،500 مشترك
يستفيدون من منشورات توعوية نرسلها
لهم اسبوعياً عبر البريد الإلكتروني
هي مبادرة تهدف الى زيادة الوعي القانوني لدى الأفراد، عبر نشر مقالات تثقيفية تشرح الإجراءات القانونية في السعودية.
جميع المقالات في هذا المدونة تم نشرها بأسلوب بسيط وسهل لرفع الوعي القانوني، ولا تعد بأي شكل من الاشكال استشارة قانونية، ننصح القارئ بطلب استشارة قانونية مفصلة من قانوني مختص. يشكل استخدامك لهذا الموقع قبولاً لشروط الاستخدام ، والشروط التكميلية ، وسياسة الخصوصية.
