تسأل إحدى المجني عليهم، بحروفٍ خائفة “ماهو الابتزاز ؟”.. وذلك بعد أن تعرضت لتهديد صريح من أحدهم. قائلةً: “في شخص قاعد يطلب مني 10 آلاف ريال خلال 24 ساعة، مقابل عدم نشره لصوري. أنا خايفة..”
ساعاتٌ عصيبة من الخوف والقلق عاشتها تلك الفتاة بعد أن تلقت رسالة الجاني. كل الطرق مغلقةٌ أمامها الآن ولا تبصر إلا جبروته ووحشيته. فإما أن ترضخ له أو أن ترفض وتبقى حبيسةً لمخاوِفها وتهديداته.
لكنّ علمَها بماهية الابتزاز ووجودِ أحكام تجرمه وتنزل بالجُناة أشدّ العقوبات كان بمثابة إسعافاتٍ أولية لها. لتستجمع قواها قليلًا وتسأل عن إجراءات التبليغ، وعيُها بوجود تلك القوانين شدّ على معصمها وخفف عنها جسامة التهديدات.

المؤسف أنها ليست وحدها. مئات الحالات غيرها عاشوا ما عاشته بل واستجابوا لطلبات الجاني في البداية خوفًا من علم عائلاتهم. والبعض لم يفكر بالتبليغ من الأساس، سبب ذلك هو الخوف من المجتمع بالدرجة الأولى ومن ثم قلة الوعي القانوني خاصة في هذه المسائل.

قبل الحديث عن كيفيّة وإجراءاتِ التبليغ عن جريمة الابتزاز. لابدّ أن نتعرّف على الابتزاز بوضوحٍ أولًا، مشيرين إلى أركانه، حكمه وأنواعه.

ما هو الابتزاز:

تعرف المادة (الثالثة) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في المملكة العربية السعودية الابتزازَ أنه:

تهديدُ شخصٍ ما لجبرِه على القيام بفعلٍ ما أو الامتناع عن فعل، مقابل تحصيل غايات معنوية، مادية أو جسدية منه، وذلك باستخدام وسائل متعددة من ضغطٍ وتخويف.

بشكل عام، يتّخذ الجناة من “عاطفة الخوف” لدى المجني عليهم وقودًا لأسلحةِ إجرامهم. وغالبًا ما يفترضون استجابةَ الضحية تحت وطأة الخشية من “الفضيحة”. فكلّما أظهر المجني عليه خوفه، زاد الجاني بالضغط والتخويف لتحصيل مكاسب أكثر.

و الجدير بالذكر، أنّه قد يتولّد عن جريمة الابتزاز الإلكتروني في السعودية عدد من الجرائم والحوادث الأخرى. فقد يصلُ الأمر لانتحار الضحيةِ هربًا من حجم الضغط الواقع عليها، أو يمكن أن تقعَ جريمة قتلٍ إذ ما قام الجاني بنشرِ صور أو مقاطع فيديو خاصةٍ لإحدى الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما هي أنواعه؟

الابتزازُ المادي

يتمثل الابتزاز المادي بحصول الجاني على مبالغ مالية أو أشياء ذات قيمة مالية عالية. وذلك مقابل عدم نشره لمواد مضرة يالمجني عليه كصور، مقاطع فيديو، محادثات أو تسجيلات، ولعلّ هذا النوع هو الأكثر شيوعًا، حيث تتلقّى الجهات المختصّة بشكل مستمرّ تبليغات عن جرائم ابتزاز من خارج السعودية، والتي تنظّم بالكامل من عصابات منظّمة في الخارج.

الابتزازُ المنفعي

يقتصر هذا النوع على أصحاب النفوذ او الشهرة من إعلاميين ومشاهير. حيث يتم استهدافهم بالضغط على ما يمتلكون من نفوذ وتهديدهم بنشر معلومات ومواد خاصة على الملأ.

الابتزازُ الأخلاقي

يسلك الجاني هذا الطريق عندما يريد الحصول على مكاسب ذات طابع “جنسي” من المجني عليه. كأن يطلب علاقة جنسية أو صور غير أخلاقية من ضحيّته.

وهنالك حالات يقوم بها المجرم بابتزاز الضحية من أجل الانتقام فحسب. أي أنه لا يطلب أية نقود أو منفعة مادية معينة ولا حتى جسدية. إنما يقوم بجريمته لإلحاق ضرر بالمجني عليه ومن ثم الانتقام منه.

تشارك إحدى الفتيات قصتها تحت اسم مستعار هروبًا من تجدد “الفضيحة” حسب وصفها وتقول:

“ظللتُ تحت ضغط نفسي كبير لعدة أشهر، كان خطيبي السابق يهددني بنشر صورنا “الخاصة” انتقامًا مني بعد انفصالي عنه”

أركان جريمة الابتزاز

كيفيّة التبليغ عن الابتزاز

يمكن لكم التبليغ عن جريمة الابتزاز باتّباع إحدى الطرق التالية:

• الاتصال بالرقم الخاص بالتبليغ عن جرائم الابتزاز 1909 التابع لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
•أخذ الأدلة والتوجه لأقرب مركز شرطة للتبليغ.
• أو التبليغ عن طريق الرابط التالي، المتاح من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (في حال عدم رغبة الضحية بالذهاب لقسم الشرطة).
• أو توكيل محامي مختصّ بالجرائم الإلكترونية.

علمًا أننا فصّلنا كيفيّة التبليغ في تدوينة (بلاغ الابتزاز) ننصحكم بالاطلاع عليها، كما أشرنا في تدوينةٍ أخرى عن ( رقم الابتزاز ) الموحّد التابع لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التبيلغ عن جرائم الابتزاز، عامل أساسي في تمكين الجّهات المختصة من إلقاء القبض على الجاني، وإيقاع العقوبة عليه، لكن، ماهي عقوبة الابتِزاز؟

ما هو حكم الابتزاز في السعودية؟

استنادًا لنظام الجرائم المعلوماتية في المملكة العربية السعودية:

تكون عقوبة جريمة الابتزاز إما بحبس الجاني لمدة سنة أو بتغريمه غرامة مالية قدرها 500 ألف ريال أو بالعقوبتين معاً. إضافة لمصادرة كل الأجهزة التي تمت بواسطتها الجريمة مع الأموال المتحصلة منها. وذلك بما يتناسب مع فعل الجاني وحجم الضرر الذي لحق بالمجني عليه.

المادة (3) نظام مكافحة الجرائم المعلوماتيّة.

يعودُ تقدير العقوبة للقاضي، بحسب حجم الضّرر الناجم عن الجريمة، إضافةً لدرجة خطورة الابتِزاز، ستجدون مزيدًا من المعلومات حول هذه المسألة، ضمن تدوينة (عقوبة الابتزاز) التي بيّنا من خلالها كلّ ما يتعلّق بالعقوبة.

كيف يتم إثبات جريمة الابتِزاز؟

بعد أن أشرنا إلى كيفيّة التبليغ وبيّنا العقوبة، لابدّ وأن نذكر لكم كيفيّة إثبات قضيّة الابتِزاز، سواءً أكان من داخل أو خارج المملكة.

بدايةً، يُكتفى إثبات حيازة الجاني للمواد التي يهدّد بها لكي تقع العقوبة عليه، ولا يشترط أن يقوم بنشرها حتى يستحقّ العقوبة، إنما وجودها معه هو دليل كافٍ لإدانته.

وعلى المجني عليه أن يزوّد الجهات المختصّة في النيابة بكلّ ما يتعلّق بالجرم، من حيث الزمان، المكان، الرسائل، الصور، التسجيلات، الروابط، وأن يفصح عن كل ما لديه من معلومات تثبت تعرّضه للابتِزاز، حتى لو كانت هذه المعلومات محذوفة، بإمكانه طلب المساعدة من الجهات المختصّة في استعادتها.

بإمكانكم أيضًا، مراجعة تدوينة (كيف تثبت قضية الابتزاز) أشرنا من خلالها إلى كيفيّة الإثبات بالنسبة للابتِزاز الخارجي أو الداخلي.

والسؤال الآن، كيف تتابع الجهات المختصّة البلاغ؟ وما هو مساره بعد أن يبلّغ المجني عليه؟

تجدون إجابةً مفصّلة عن هذا السؤال ضمن تدوينة (إجراءات قضايا الابتزاز) وضّحنا بها المسار القانوني للجريمة، بدءًا من الشرطة، مرورًا بالنيابة وصولًا للمحكمة.

يكرّس قانون الجرائم الإلكترونية مجموعةً من الأحكام لتشديد العقوبات على المجرمين وتخويف من ينوي الإقدام عليها. في المقابل تقع مسؤولية التوعية على عاتق الأسرة، المؤسسات التعليمية، الإعلامية والمهنية، و على عاتق الشخص نفسه بالدرجة الأولى. القانون موجود لكنه لن يغيّر شيئًا إن لم يبلّغ المجني عليه ويستعن بالأحكام التي شرعت أساسًا لحمايته من جرائم الابتزاز.